الشيخ الشاعر / سعود بن مبارك بن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد الدليمي
(الكويت، 1880-1975م/1297-1394هـ)
نزح والده من بلدة اليمامه بالخرج بإقليم نجد عام 1870م/1286هـ واستقر بمَحلّة (فريج) الزهاميل في منطقة شرق (الحي الشرقي) بالكويت، حيث ولد الشاعر عام 1880م/1297هـ. ركب الغوص والسفر لمدة 40 عام.
ورث الشعر والأدب من والده ووالدته وله قصائد كثيرة تم عرضها ببرنامج "شعراء النبط" على تلفزيون الكويت، ولكن للأسف لم يُحفظ من شعره إلا القليل.
ولعل أطرف أعماله قصيدة يمتدح فيها أسلوبه بالشعر وإمكانياته في وزن القوافي وصياغتها، إذ يقول رحمه الله:
(( عصا العز لا تُومي بها كل ساعه ))
منطقة الصبِّيه والتِّشالات بالكويت:
الصبيّه.. هي منطقة بحرية تقع شمال الكويت. كان يقطنها قديماً قبيلة العوازم الذين كانوا يعتمدون على صيد الأسماك بواسطة استخدام الحظرات (مفردها حَظْرة وهي عبارة عن أخشاب دائرية تستغل كفخٍ لصيد الأسماك).
كما اشتهرت الصبيه بتربتها (الرمل) الجيدة وصخرها (الصلبوخ) الخاص بالبناء والذي كان يُشحن إلى منطقة الوَطْيه بمدينة الكويت ومنطقة عبدان في إيران (للعمل في المشاريع النفطية آنذاك). وكانت تتم عملية شحن الرمل ومواد البناء بواسطة تِشّالات (التِشّاله هي سفينه خشبية لنقل مواد البناء الأوليه) ودُوَب (جمع دوبه وهي مسطحات خشبية).
والمكان الذي يتم من خلاله تكسير وتحميل الصخر على التشالات بالصبية يقع بالقرب من "قصر الغانم" بالصبيه وبالقرب منه توجد "الشْرَيْعَه" كما ينطقها أهل البحر أو "المِسَنّه" وتعني مكان التحميل من اليابسة إلى البحر. وبالقرب منها يوجد كانتين صغير لبيع مستلزمات العمال كالألبسة ومواد البناء والأكل.
ومالكو التشالات هم تجار ونواخذه كويتيون (النوخذه هو قبطان السفينة) يقومون بتحميل مواد البناء الأولية وشحنها خارج الصبية.
بدأت كثافة العمل بالتشالات في منطقة الصبية في السنوات 1930م/1348هـ وحتى منتصف 1940م (1946م/1365هـ تقريباً).
بعد الانتهاء من موسم الغوص في شهر سبتمبر، كان الناس يعملون بمناولة ومقاولة التشالات. إذ كانت تبدأ ساعات العمل من صلاة الفجر حتى مغيب الشمس صيفاً وشتاءً. وكانت الأجور متدنية جداً مقابل العمل الشاق. حيث كانت أجور العمال الذين كانوا يُحمِّلون الرمل ومواد البناء الثقيلة ومن ثم وضعها على التِّشاله تتراوح بين نصف روبية و12 آنه يومياً (الروبيه=16 آنة. الآنه=4 بيزات. البيزه=3 آرديات). والروبية الواحدة تعادل 75 فلسا كويتيا بحسب سعر الصرف الرسمي عند الاستبدال بالدينار الكويتي بتاريخ 1-4-1961م/14-10-1380هـ.
"الفرمن" سعود بن مبارك بن عبدالعزيز الدليمي:
عمل سعود بن مبارك الدليمي بأكثر من مشروع خاص بنقل الرمل والصخر عن طريق التشالات، وذلك عند انتهائه من موسم الغوص والسفر. وفي عام 1935م/1353هـ، عمل سعود لأحد التجار بمنطقة الصبية بوظيفة "فِرمَن" (رئيس فريق عمل) وكان مسئولاً عن 70 عاملاً.
وفي يوم من الأيام، اشتكى العمال من تدني الأجور وقد طالب بعضهم برفعها من الشخص المسئول عن المشروع آنذاك. سمع مدير المشروع بمطالب العمال وغضب فاجتمع مع العمال ومن ضمنهم سعود بن مبارك الدليمي. واتهمهم بأنهم كانوا يريدون أن يثيرون على "معازيبهم" (المْعَزِّب هو مالك المشروع) وبهذا فإنهم كانوا يشكلون حالة عصيان، رافضاً طلبهم برفع الأجور، مهدداً بفصلهم من عملهم إن قاموا بطلبهم هذا مرة أخرى، مُلوحاً بِـ"عَصاه" بغرورٍ ورعونة. حيث بدأ يقذفهم بكلمات غير لائقة، قائلاً لهم: إذهبوا وليس لكم عندي شي، "واللي مو عاجبه، يروح ينام ابَّيتهم"!. غضب العمال وبعض الحاضرين من طريقته بالكلام وأسلوبه ولم يسكتوا على قذفه لهم بهذه الكلمات قائلين له: "لا نمانع العمل ولكن من العيب أن تُلّوِّح بعصاك علينا وتكلم الرجال بهذه الطريقة، وإن لوّحتها مرة أخرى، سَنَرُد الصاع صاعين" (قصدهم بقوة اليد). ومنها، ذهب الكل إلى موقعه.
بعد صلاة المغرب من ذلك اليوم، كعادته، ذهب سعود بن مبارك الدليمي لزيارة أصدقائه من قبيلة العوازم المقيمين بمنطقة الصبيه، إذ كان رحمه الله قريباً منهم وهم كانوا يفرحون بوجوده ويستأنسون بشعره وأدبه وكلامه. تناقل الحديث عما حصل في ذلك اليوم، وكان سعود غاضباً جداً من ردة فعل هذا الرجل الأرعن، فقال قصيدته "العشرينيه" (المتكونة من 20 بيتاً)، شاكياً الله عز وجل عن طغيان بعض المسئولين على الضعفاء في ذلك الوقت.
من ضمن هذه القصيدة، صاغ بيتاً تداوله الناس لسنواتٍ طويلة، لما له من حكمه، على أنه بيت لـ"شاعر مجهول"، وهو:
عصا العـــز لا تُوُمي بها كـل ساعه |
|
|
خَطرٍ على عيال النِّسا يكســـرونها |
ملاحظة: اللفظ الصحيح كما أتى بالقصيدة هو "عصاة العز" وليس "عصا العز"، ولكن هكذا تداوله الناس. وكلاهما صحيح من حيث المعنى. و"عصاة العز" هو لفظ الحاضرة، أما "عصا العز" فهو لفظ أقرب لأهل البادية. وشاعرنا هو من حاضرة نجد ومن أهل الكويت.
سنسرد القصيدة كاملة ونشرح معاني كلماتها. وفي القصيدة سيلاحظ القارئ شرح كامل عن الحياة الشاقة التي كان يعانيها أهل الكويت والخليج عموماً قبل ظهور النفط. وبالرغم من حاجة الناس للمال آنذاك، إلا أنهم لا يقبلون الذل والمهانة، متمسكين بدينهم وأرضهم وحكامهم.
يقول الشاعر/ سعود بن مبارك بن عبدالعزيز بن عبدالله بن محمد الدليمي، رحمه الله:
شرح المفردات:
- مْزونها: سمائها (المزون هي الأمطار أيضاً)
- مِرسي قْرونها: مرسي الجبال
- شِرّاي: ما هو رأيكم؟
- يدِّل الحق: يعرف الحق
- دروب السناعه: معرفة (طُرق) الأصول
- فْنونها: الأصول
- البَيزات: البيزه كالروبيه هي عملة هندية متداولة بالكويت قديماً (الروبيه=16 آنة. الآنه=4 بيزات. البيزه=3 آرديات). و"البيزات" كناية تعني بأن الشخص باع نفسه برخص.
- مـا تِسِّر ظنونها: لا تسر الخاطر
- النفس الدنيه: النفس الرديئة
- مـــا يفيد الفريسه الرجـا عند ما تِمغر بطونها: لن ينفع الفريسة التوسل (الرجاء) عندما تهاجم وتُأكل
- يُوُمِي بْعصاه: يُلوِّح بعصاه
- جِزاعه: الخوف
- بالتِّشاله: التِّشاله هي سفينة شراعية كويتية متوسطة الحجم استخدمت للنقل الساحلي، وخاصة نقل المواد الأولية مثل الصخور والأخشاب والمواد الإستهلاكية (ويكيبديا)
- چما الحربا: كما الأفعى (كالأفعى)
- دنَالها الموت: اقترب منها الموت
- شَغمومٍ: الشغموم هو صاحب الخصال الطيبة وهو الرجال الذي يعتمد على نفسه
- يِدَسِّم شاربه: يُكَبِّر شواربه وهي كناية على الرجولة وبناء النفس والاعتماد عليها
- من كَدّة ذْراعه: من عرق جبينه (من تَعَبه)
- شاخِصْةٍ: ناظرة (من النظر)
- القُوت: العيش، المعاش، الرزق
- هَيرات: الهَير وجمعه هَيرات أو (إ) هْيَرات أي أماكن الغوص على اللؤلؤ بالبحر قديماً وتسمى أيضاً المغاصات
- البَلْداني وخلالَوه: اسمان من أشهر مغاصات اللؤلؤ وأعمقها وأخطرها ببحر الخليج العربي
- أَقواعه: قاع البحر أي أعماقه
- يِحوفونها: يلتفون حواليها
- دَسْمان: قصر الحكم الواقع بمنطقة دسمان بالكويت
- بن صباح: أسرة آل الصباح حكام الكويت و"بن صباح" كلمة تُطلق على أمير الكويت
- يِسومونها: يفدونها
- إخوان مريم: هو لفظ ينتخي به آل الصباح حكام الكويت، "إخوان مريم". و"مريم" هو نسبة للشيخه مريم التي عُرفت بشجاعتها وقت الحروب، وهي ابنة الشيخ/ عبدالله بن صباح بن جابر الصباح حاكم الكويت الثاني (1740-1814م/1152-1229هـ)
- القِمري: حَمام البر
- تِلْهج الناس: يدعي الناس.
*حادثة الشيخ/ مبارك الصباح (1896م/1313هـ):
في سنة 1896م/1313هـ، قام الشيخ مبارك الصباح حاكم الكويت الملقب بـ"مبارك الكبير" أو "أسد الجزيرة" بقتل اخويه محمد وجراح إثر خلاف على الحكم. فشهد الإقليم توتراً غير مطمئن وبدأت تأتي التهديدات لضرب "دسمان" قصر الحكم وزعزعت أمن الكويت.
قام محمد بن أحمد الروضان (بوروضان) رحمه الله وهو من كبار أعيان الكويت في ذلك الوقت ومعه مشاري عبدالله محمد الروضان (1877-1967م/1294-1386هـ) رحمه الله، بجمع 118 رجلا "خيّال" وذلك للقيام بحراسة قصر دسمان لمدة 40 يوماً. ومن ضمنهم كان عبدالكريم وأخيه سعود أبناء مبارك بن عبدالعزيز الدليمي الذين كانوا يسكنون محلّة (فريج) الزهاميل بمنطقة شرق (الحي الشرقي) في ذلك الوقت.
ولهذا قال البيت:
إلا مــــــن صــاح بالصوت جِينا كِلِبُونا فْزاعـه
إعيالهم واموالهم وقت الشدايد يســــومونها
للمزيد عن الشاعر وسيرته الذاتية، اضغط هنا.
|